الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقد أنزلت هذه الآيات مؤكدة حقيقة دوران الأرض حول محورها في وقت ساد فيه الاعتقاد بثبات الأرض ورسوخها، بمعني عدم دورانها أو تحركها، وهو أمر معجز للغاية.(3) التأكيد علي أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في المراحل الأولي لخلق الكون كانت أعلي من سرعتها الحالية:وهذه الحقيقة لم يتوصل العلم المكتسب من إدراكها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين، وقد سبقها القرآن الكريم بأكثر من أربعة عشر قرنا وذلك بالاشارة إلي هذه الحقيقة في قول الحق تبارك وتعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف:54)وإغشاء النهار بالليل جاء في القرآن الكريم أربع مرات (الأعراف:54، الرعد:3، الشمس:1- 4، الليل:2،1)، والمرة الوحيدة التي جاءت فيها الصفة: يطلبه حثيثا أي سريعا، هي هذه الآية الرابعة والخمسين من سورة الأعراف لأنها تتحدث عن بداية خلق السماوات والأرض، وهي حقيقة مدونة في هياكل الحيوانات، وأخشاب النباتات بدقة بالغة، ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بأية فكرة عنها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين حين اكتشف العلماء أن تبادل الليل والنهار كان يتم في العقود الجيولوجية القديمة بسرعة فائقة جعلت من عدد الأيام في السنة عند بدء الخلق أكثر من ألفي يوم، وجعلت من طول الليل والنهار معا أقل من أربع ساعات، وكان إبطاء سرعة دوران الأرض حول محورها بمعدل جزء من الثانية في كل قرن من الزمان آية من آيات الله في إعداد الأرض لاستقبال الحياة، لأن صور الحياة- وفي مقدمتها الإنسان- ماكان ممكنا أن تتلاءم مع هذه السرعات الفائقة لدوران الأرض ولا لقصر طول كل من الليل والنهار.(4) التأكيد علي سبح الأرض في مدارها حول الشمس:يعبر القرآن الكريم عن الأرض في عدد من آياته بالليل والنهار كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى: {وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون} (الأنبياء:33).وفي قوله عز من قائل: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} (يس:40).وذلك لأن كلا من الليل والنهار عبارة عن ظرف زمان، وليس جسما ماديا، ولابد للزمان من مكان يظهر فيه، والمكان في هذه الحالة هو كوكب الأرض الذي يقتسم الليل نصفه، والنهار النصف الآخر في حركة دائبة، وتبادل مستمر، ولو لم تكن الأرض كروية، ولو لم تكن تدور حول محورها أمام الشمس لما تبادل سطحها الليل والنهار في تعاقب مستمر، ولولا جري الأرض في مدارها حول الشمس ماتغيرت البروج، ولو لم تكن الأرض مائلة بمحور دورانها علي دائرة البروج بزاوية مقدارها 66،5 درجة تقريبا ماتبادلت الفصول، ولولا علم الله بجهل الناس لتلك الحقائق في الأزمنة السابقة لأنزل الحقيقة الكونية بلغة صادعة، قاطعة، ولكن لكي لايفزع الخلق في وقت تنزل القرآن الكريم أشار إلي جري الأرض في مدارها المحدد لها حول الشمس يسبح كل من الليل والنهار، والسبح لايكون إلا للأجسام المادية في وسط أقل كثافة منها، فالسبح في اللغة هو الانتقال السريع للجسم المادي بحركة ذاتية فيه من مثل حركات كل من الأرض والقمر والشمس وغيرها من أجرام السماء كل في مداره وحول جرم أكبر منه، ويؤكد هذا الاستنتاج صيغة الجمع كل في فلك يسبحون التي جاءت في الآيتين، لأنه لو كان المقصود بالسبح الشمس والقمر فحسب لجاء التعبير بالتثنية وكلاهما يسبحان.(5) التأكيد علي الرقة الشديدة لطبقة النهار في الغلاف الغازي لنصف الأرض المواجه للشمس:وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا بعد ريادة الفضاء، في منتصف الخمسينات وأوائل الستينات من القرن العشرين، وقد سبق القرآن الكريم هذا الكشف العلمي بأربعة عشر قرنا وذلك في قول الحق تبارك وتعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون} (يس:37).وهذه الآية الكريمة تؤكد أن الأصل في الكون الظلام، وأن طبقة النهار في الغلاف الغازي المحيط بنصف الأرض المواجه للشمس، والتي تتحرك باستمرار لتحل محل ظلام الليل بإشراق الفجر، هي طبقة بالغة الرقة لايكاد سمكها أن يتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر، وإذا نسبنا هذا السمك إلي المسافة بين الأرض والشمس وهي مقدرة بحوالي المائة وخمسين مليون كيلو متر كانت النسبة واحدا إلي سبعمائة وخمسين ألفا تقريبا (200 كم /150،000،000 كم =750،000/1 تقريبا).وإذا نسبناه إلي نصف قطر الجزء المدرك من الكون و، المقدر بأكثر من اثني عشر بليون ألف مليون سنة ضوئية أختفت هذه النسبة تماما أو كادت، ومن هنا تتضح ضآلة سمك الطبقة التي يعمها نور النهار، كما يتضح عدم استقرارها لانتقالها باستمرار من نقطة إلي أخري علي سطح الأرض مع دورانها حول محورها أمام الشمس، ويتضح كذلك أن تلك الطبقة الرقيقة من نور النهار تحجب عنا ظلام الكون الخارجي، لأن الذين تعدوا طبقة النهار من رواد الفضاء رأوا الشمس في منتصف النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء، وبهذه المعلومات التي اكتشفت منذ أقل من نصف قرن تتضح روعة تشبيه القرآن الكريم انسلاخ نور النهار عن ظلمة كل من الليل والكون بسلخ جلد الذبيحة الرقيق عن كامل بدنها، وهذا يؤكد أن الظلمة هي الأصل في هذا الكون، وأن النهار ليس إلا ظاهرة، نورانية، عارضة، رقيقة جدا، لا تظهر إلا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي في نصفه المواجه للشمس، وبواسطة دوران الأرض حول محورها أمام ذلك النجم ينسلخ النهار تدريجيا أمام ظلمة ليل الأرض، والتي تلتقي بظلمة السماء.وتجلي النهار علي الجزء السفلي من الغلاف الغازي للأرض بهذا النور الأبيض المبهج هو من نعم الله الكبري علي عباده، ويفسرها تشتت ضوء الشمس بانعكاساته المتكررة علي هباءات الغبار وعلي جزيئات كل من بخار الماء والهواء العالقة بالغلاف الغازي القريب من الأرض والتي تثيرها الرياح من سطح الأرض وبعد تجاوز المائتي كيلو متر فوق سطح البحر يبدأ الهواء في التخلخل لتضاؤل تركيزه، وتناقص كثافته باستمرار مع الارتفاع، وندرة كل من جسيمات الغبار، وبخار الماء فيه حتي تتلاشي ولذلك تبدو شمسنا كما يبدو غيرها من نجوم السماء الدنيا بقعا زرقاء باهتة، في بحر غامر من ظلمة الكون.(6) التأكيد علي دقة الحساب الزمني بواسطة كل من الليل والنهار والشمس والقمر:من المعروف أن السنة الهجرية هي سنة شمسية / قمرية، لأن هذه السنة تحددها دورة الأرض حول الشمس دورة كاملة تتمها في 365.25 يوما تقريبا، وأن هذه السنة تقسم إلي اثني عشر شهرا بواسطة دوران القمر حول الأرض، كما يقسم الشهر إلي أسابيع وأيام وليال بنفس الواسطة، وقد تقسم الشهور بواسطة البروج التي تمر بها الأرض في أثناء جريها في مدارها حول الشمس، كما تدرك الأيام بتبادل كل من الليل والنهار، ويقسم النهار إلي وحدات أصغر بواسطة المزولة الشمسية، ومن هنا كان القسم القرآني بالليل والنهار والشمس والقمر في خمس آيات (الأنعام:96، إبراهيم:33، النحل:12، الأنبياء:33، فصلت:37).(7) الإشارة إلي أن ليل الأرض كان في بدء الخلق ينار بعدد من الظواهر الكونية:وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا} (الإسراء:12).ويستشف من هذه الآية أن ظاهرة الشفق القطبي وأطيافه AuroraandAuroralSpectra والتي تعرف أيضا باسم ظاهرة الأنوار القطبية Polarlights أو باسم ظاهرة فجر الليل القطبي PolarNight ص sDawn، وهي ظاهرة نورانية تري بالليل في سماء المناطق القطبية وحول القطبية، وتتكون نتيجة لارتطام الأشعة الكونية الأولية التي تملأ فسحة الجزء المدرك من الكون علي هيئة الجسيمات الأولية للمادة بالغلاف الغازي للأرض مما يؤدي إلي تأينه، وإصدار أشعة كونية ثانوية، ونتيجة لذلك تتصادم الأشعات بشحناتها الكهربية المختلفة مع كل من أحزمة الإشعاع ونطق التأين في الغلاف الغازي للأرض وتفريغ شحناتها فتوهجها، والجسيمات الأولية للمادة متناهية في الدقة، وتحمل شحنات كهربية عالية، وتتحرك بسرعات تقترب من سرعة الضوء ولم تكتشف إلا في سنة 1936 م.والأشعة الكونية تتحرك بمحاذاة خطوط المجال المغناطيسي للأرض والتي تنحني لتصب في قطبي الأرض المغناطيسين فتؤدي إلي تأين الغلاف الغازي للأرض، ومن ثم إلي توهجه، ومن الثابت علميا أن نطق الحماية المتعددة في الغلاف الغازي للأرض من مثل نطاق الأوزون، ونطق التأين، وأحزمة الإشعاع، والنطاق المغناطيسي للأرض لم تكن موجودة في بدء خلق الأرض، ولذلك فقد كانت الأشعة الكونية تصل إلي المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض فتؤدي إلي توهجه ليلا حول كافة الأرض، وبعد تكون نطق الحماية المختلفة أخذت هذه الظاهرة في التضاؤل التدريجي حتي اختفت، فيما عدا مناطق محدودة حول القطبين، تبقي شاهدة علي أن ليل الأرض في المراحل الأولي من خلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق فسبحان الذي أنزل من قبل أربعة عشر قرنا قوله الحق على لسان نبيه الخاتم: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب} (الإسراء:12).هذه الشواهد العلمية المستقاة من تبادل الليل والنهار بدءا بتأكيد كروية الأرض، ثم دورانها حول محورها، وتباطؤ هذا الدوران مع الزمن، وجريها في مدارها المحدد حول الشمس، والرقة الشديدة لطبقة النهار، والدقة الفائقة لحساب الزمن بواسطة تتابع كل من الليل والنهار والشمس والقمر، وأن ليل الأرض كان يضاء في بدء الخلق بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق، وأن من بقايا هذا الوهج القديم ظاهرة الفجر القطبي.هذه الشواهد لم يصل الإنسان إلي إدراكها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين، وورودها في كتاب الله الذي أنزل علي نبي أمي صلى الله عليه وسلم في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين، ومن قبل أربعة عشر قرنا لمما يقطع بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخاتم والخالد، وأن النبي والرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض، ولذلك وصفه ربه سبحانه وتعالى بقوله: {وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوى} (النجم:3- 5).
وحذف الخبر أهول لتذهب النفس كل مذهب. اهـ.
|